من عقم تهديفي ومشاكل في خط الوسط والدفاع، وهزيمة أمام بيرنلي هي الأولي على ملعب أنفيلد في البريمرليج منذ أبريل 2017 بعدما حقق الفريق سلسلة لاهزيمة وصلت لـ 69 مباراة، تبعها هزيمتين أخرتين أمام برايتون ومانشستر سيتي تواليًا ليصبح ليفربول هو أول فريق يخسر ثلاث مباريات متتالية في الدوري على أرضه في الموسم التالي بعد فوزه بالدوري الإنجليزي منذ أن فعل تشيلسي ذلك قبل 65 عامًا في مارس 1956.

نتيجة بيرنلي جعلت الفريق قبل مباراة توتنام لا يعرف طعم الفوز في خمس مباريات علي التوالي في الدوري، ويتراجع حينها بسبع نقط خلف مانشستر سيتي المتصدر قبل أن يصل الفارق بعد المبارة الأخيرة إلي عشر نقاط كاملة مع تبقي مباراة مؤجلة للسيتيزنس، ليخرج جيمي كاراجر محلل قنوات سكاي سبورتس بعد المباراة قائلاً: “لا أتذكر وقتًا كان فيه كثير من اللاعبين سيئين مثلما حدث أمام بيرنلي”.

بعد مباراة كريستال بالاس في الأسبوع الرابع عشر لعب الفريق تسع مباريات في الدوري سدد خلالها 130 تسديدة، سجل 8 أهداف وأضاع 10 فرص واضحة للتسجيل، رغم أن عدد الأهداف المتوقع تسجيلها xG قد بلغ 14.15، منهم أربعة مباريات متتالية سدد فيها الفريق 84 تسديدة بدون تسجيل أي هدف، تُري ما الذي جعل كتيبة كلوب تعاني هكذا خلال هذه الفترة؟

في الحقيقة الموضوع يحمل تسلسلاً، ولكل سبب نتيجة، بعد إصابات فيرجل فان دايك، وجو جوميز وجويل ماتيب، اضطر كلوب لإشراك أفضل لاعبي خط وسطه فابينيو وجوردان هندرسون كقلبي دفاع لعدم ثقته الكاملة في الثنائي ناثانيل فيليبس وريس ويليامز، والحقيقة أن هذا الأمر ضر الوسط أكثر منه الدفاع.

صحيح أن الفريق قد خسر قدرة فان دايك على قتل فرص الهجمات المرتدة للخصوم، الأمر الذي كان ينتج عنه استقبال خطرًا أقل واستخلاص الكرة في مراحل متقدمة أكثر، بالتالي زيادة نسبة الهجمات أكثر في نصف ملعب الخصم والحفاظ على الكرة هناك، وبراعته في الكرات الهوائية وقدرته على التسجيل اثناء المواقف الثابتة، هذا بالإضافة إلي أن الريدز خسر كراته القطرية المتقنة التي كانت تمثل حلاً كبيرًا لفك تكتلات الفرق واستغلال عدم قدرتهم على تنظيم أنفسهم بسرعة، والتي كانت تسمح لصلاح وماني بمساحات أكثر للتسديد والتسجيل.

في الموسم الماضي، احتاج ليفربول إلي تمريرتين فقط من فان ديك إلي أرنولد، 10 ثواني فقط كان الوقت الذي احتاجه ليفربول لكي يسجل هدف، كذلك خسر الفريق قدرة ماتيب علي الزيادة أو التمرير العمودي.

لم تكن المشكلة أبدًا في شراكة فابينيو وهندرسون، فتعاملهما كان بشكل أفضل من الذي توقعه الكثيرون، استقبل الفريق عددًا أقل من التسديدات في كل مباراة هذا الموسم (7.87) مقارنة بمتوسط الدوري (11.72) وفقًا لـ Fbref، و23 هدف في 25 مباراة في جميع المسابقات منذ مباراة دربي الميرسيسايد.

المشكلة هي في تأثير فابينيو وهندرسون على خط الوسط، الأمر الذي كان له تأثير غير مباشر في أرضية الميدان، فقدرة الثنائي على الثبات والحدة والتي كانت سببًا أساسيًا للفوز باللقب الموسم الماضي أصبحت مفقودة.

عدم وجود فابينيو، خاصةً في مركز الارتكاز جعل ثنائي دفاع ليفربول في مواجهة مباشرة مع مهاجمين الفرق المنافسة، ونظرًا لعدم قوة تياجو في الصراعات الهوائية فكان هندرسون يضطر إلي الخروج من مكانه لكي يقابل المهاجمين.

بالإضافة إلي عدم تقدير تياجو للمساحة حوله كما ينبغي بحكم أنه يعيش أول مواسمه في البريميرليج، مما جعله دائم التأخر في مجاراة الرتم والتوغلات غير المتوقعة، فأنخفضت نسبة النجاح في الالتحامات الإجمالية من 51.5 % إلى 47 %.

تشير الإحصائيات كذلك إلي أن كفاءة الضغط المضاد واستعادة الكرة في الثلث الأخير قلت عن ذي قبل، حيث قل متوسط ضغط ليفربول من 148 لكل مباراة إلى 123 بانخفاض 17 %، لكن رغم ذلك لا يزال الفريق في المركز الأول من حيث استعادة الكرة في نصف ملعب الخصم.

لأنه بالاضافة إلي خط الوسط، فأرقام الثلاثي الأمامي أيضًا وخاصة روبيرتو فيرمينو قلت في الضغط، وهذا معناه أن الخصم سيكون دائمًا لديه فرصة أكثر للعب الكرات الطويلة واستغلال خط الدفاع العالي.

لم بقتصر تأثير الثنائي فقط على الحالة الدفاعية، لكن أيضًا الهجومية، لو أن يورجن كلوب أو قاعدة مشجعي ليفربول اعتقدوا أن تياجو سيحل المشاكل الإبداعية في التلت الأخير، فالمباريات الأخيرة أثبتت خطأ النظرية.

دائمًا ما يكون فابينيو وهندرسون مباشرين أكثر في التمرير للثلاثي الأمامي، علي عكس تياجو الذي وعلى الرغم من قدراته التي لا خلاف عليها إلا أن أسلوب لعبه يضعف أهداف الفريق ويبطئ الرتم، تياجو كان أقل مباشرةً بأسلوبه في اللعب، الأمر الذي كان مبدأ ليفربول خلال المواسم الماضية.

تأثير غياب الثنائي عن الوسط اثر أيضًا على تقدم الكرة عموديًا بين الخطوط لأنهم هكذا يضطرون إلي بناء اللعب بشكل أعمق أكثر لأنهم مجبرين على التحفظ أكثر لتحقيق التوازن بين الدفاع والهجوم، بالتالي يضطر الثنائي ترينت أرنولد وأندريه روبرتسون لحمل الكرة أكثر من المعتاد في المراحل الأولية لبناء اللعب.

بالإضافة إلي ثلاثي المقدمة المرعب، فهجوم ليفربول في المواسم الأخيرة يعتمد بشكل مكثف علي إمدادات الظهيرين الطيارين أرنولد وروبرتسون اللذان قدما 55 تمريرة حاسمة على مدار المواسم التلاتة الماضية.

ترينت ظهير مركب بمعني أنه يحتاج إلي شكل معين لكي يستطيع إخراج كامل إمكانياته، هو مميز جدًا هجوميا لكن دفاعيًا أقل بكتير.

كلوب كان يعرف ذلك منذ اليوم الأول وبذكاء شديد استغل مميزاته، الكرات العرضية الدقيقة المقوسة داخل منطقة الجزاء والكرات القطرية التي يكسر بها خطوط والتي تخرج الخصوم خارج اللعبة، لذلك وباستمرار يكون هيكل كلوب 4-3-3 مع وجود هندرسون الذي لديه من القدرة البدنية والوعي التكتيكي الكثير لتغطية مكان أرنولد وأيضًا لخلق زيادة عددية في الجهة اليمني لتشتيت الخصم وخلق دائمًا ثغرة بين الظهير وقلب الدفاع.

الفكرة الأساسية هي تفريغ أرنولد وجعله حر باستمرار لكي يستطيع تنفيذ عرضياته المتقنة بأريحية شديدة وهو يعرف أن جهته محمية بشكل جيد.

أما زميله روبرتسون فهو ظهير شامل بمعني أنه يستطيع تحمل الجهة وحده، بالتأكيد يحتاج تغطية لكن هذا الأمر يكون أقل نظرًا لسرعة ارتداده الكبيرة.

غياب هندرسون عن خط الوسط لم يمنع كلوب من استخدام أسلوبه المعتاد، حتى وإن كان النظام سيصيبه خلل لأن ارنولد لم يعد لديه مساحة للعب العرضية أو في الارتداد خلفه.

أمام بيرنلي لعب أرنولد 22 عرضية، منها واحدة فقط صحيحة،على عكس جهة روبرتسون التي مازالت أرقامه ودقة عرضياته ثابتة.

متوسط ​​استحواذ الفريق ارتفع قليلاً من 63.5 % إلي 65 % عن الموسم الماضي، ونظرًا لذلك فإن متوسط تمركز الخصوم في المباريات الأخيرة ساهم بشكل كبير في تقييد ليفربول بصناعة فرص أقل جودة واضطراره للتسديد من مسافة.

ولذلك رأينا كثيرًا صلاح يبتعد عن منطقة الجزاء ويتجه للأطراف.

انتصارات على ليستر (56٪)، ولفرهامبتون (60٪)، تشيلسي (61٪) وكريستال بالاس (64٪) كلها أتت ونسبة استحواذ الفريق أقل من المتوسط، الهزائم من ساوثامبتون (67 %) وبيرنلي (71%)، والتعادل مع فولام (75%)، ووست بروميتش (78%) ونيوكاسل (73%) كلها أكبر من المتوسط، نسبة الهجمات المرتدة لليفربول تراجعت بنحو 50% وفي الوقت الذي تصدر فيه الموسم الماضي الدوري بهجمات مباشرة فقبل مباراة بيرنلي كان في المركز 12.

وهنا نأتي للمشكلة الرئيسة فعلاً في ليفربول وهي اتخاذ القرارات المناسبة، التمريرة قبل التسديدة أو التمريرة قبل التمريرة، الحقيقة أن الثلاثي الأمامي ظهر بشكل غريب، هنا فيرمينو انتظر طويلاً قبل أن يمرر عرضيًا لأرنولد بدلاً من التمرير القطري البيني.

الموضوع لا يتعلق فقط بمعدل تحويلهم للأهداف بل بتمريراتهم غير المفهومة، المساحة أو المواضع التي يطلبون فيها الكرة وتحركاتهم داخل منطقة الجزاء التي اختفت.

فصلاح مثلا يعتمد على الحجم، بمعنى أنه يسجل أهدافًا كثيرة لأنه يسدد كثيرًا، وماني يعتمد في أحيان كثيرة على التسديد من زوايا صعبة لو أتيحت له مساحة مناسبة، نظرا لذلك أصبحت الفرق تعطي أهمية أكثر للثنائي وتترك لفيرمينو حرية أكثر للتسديد.

لا يزال ليفربول يسدد كثيرًا، لكن المشكلة هي أن اللاعبون الخطأ هم من يسددون الكرة، في المباريات أمام وست بروميتش، ونيوكاسل، وساوثامبتون، ومانشستر يونايتد، وبيرنلي، وهي الفرق التي مالت أكثر للتكتل في الخلف، كان فيرمينو الأكتر تسديدا بـ15 تسديدة.

في فترة من فترات هذا الموسم كان متوسط صلاح وماني أكثر من 4 تسديدات لكل 90 دقيقة، وانخفض حاليا إلى النصف، بمعنى أنه بدلاً من إضاعة فرصة وانتظار 3 فرص أخرى للتسجيل، أصبحت تأتيهم فرصتين فقط، يضيعون واحدة ويتبقى أخرى، في العادة صلاح وماني مسؤولين عن حوالي 50٪ من محاولات الفريق، لكن هذا الرقم قد انخفض ليصبح 30٪ فقط.

فيرمينو الوحيد من بين الثلاثي التي تصل نسبة أهدافه الفعلية إلى أقل من نسبة أهدافه المتوقعة، عادة يكون الاعتماد على فيرمينو أقل ويكون العبء أكثر على صلاح وماني، لكن عندما يكون البرازيلي هو المصدر الرئيسي للتسديدات، فلمسته النهائية تكون واضحة أكثر من أي وقت آخر، وبالتالي يعاني الفريق بهذا الشكل.

منذ بداية موسم 2019/2020، فيرمينو حول 12 من أصل 46 فرصة واضحة إلى أهداف بمعدل نجاح 26%، وهذا أقل كثيرا من متوسط المعدل، وأقل من صلاح (38% باستثناء ضربات الجزاء) وماني (40%).

أسلوب ليفربول شبه آلي، الأظهرة هم المنافذ الإبداعية، قلوب الدفاع تدافع بخط عال. لاعبو الوسط يقومون بتغطية المساحة والثلاثي الأمامي يحول الفرص إلي أهداف.

اضطر كلوب في الفترة الأخيرة لتغيير تشكيلته، وهذه بالطبع فترة انتقالية، بمجرد أن يقوم بتثبيت التشكيلة ستزيد الفرص التي يصنعونها، وسيسجلون الأهداف مرة أخرى.